عن جدعنة المسيحية وسائق التاكسي مع السيدة المسلمة عن جبر الخواطر بعيدًا عن الديانة والوظيفة والجنس

احمد حافظ

بقلم : احمد حافظ
..
راكب المترو النهاردة الصبح في طريقي لجريدة الأهرام، وبعدين ركبت سيدة كبيرة في السن زي أمي وأمك، وقعدت قدامي وأنا واقف، وعليها هم الدنيا والآخرة، وسألت الست اللي قاعدة جمبها: فين يابنتي مستشفى السلام الدولي؟ قالت لها على الكورنيش يا أمي.. سألتها تاني: أروح لها إزاي؟.. واحد قالها هتنزلي محطة الملك الصالح والتاني قالها المعادي أقرب لك والتالت قالها انزلي محطة السادات واتمشي لموقف عبدالمنعم رياض اركبي ميكروباص أحسن.. قالت لهم: يعني همشي؟.. قالولها لازم تمشي.. الست صعب عليها نفسها وقعدت تعيط ودارت عنيها بالحجاب الطويل اللي هي لابساها.. الست اللى جمبها (وهي مسيحية الديانة) طبطبت عليها وسألتها بتعيطي ليه يا أمي.. قالت لها أنا عندي ورم ومش قادرة أمشي يابنتي.. وسألتها الست تاني: مش معنى مستشفى السلام الدولي؟.. قالت لها أصلي كشفت عند دكتور في عيادته وشغال هناك وطلب مني إشاعة مش موجودة إلا في مستشفيات زي دي، ولما رحت مستشفى القاهرة قالولي الإشاعة بكذا (مش هقول المبلغ لسبب ما) فأنا رايحه له علشان يمكن يعمللي حاجة ولا يعمل الإشاعة عنده علشان مش معايا.. الست بتقول كده ودموعها مغطية وشها وبتداريها بالحجاب.
الست المسيحية فتحت شنطتها وطلعت مبلغ ودخلت إيديها من تحت حجاب الست وحطت الفلوس في إيديها وهي بتتحايل عليها تاخد المبلغ.. والله الست التعبانة رفعت إيد الست دي وباست إيديها.. والتانية قعدت تطبطب عليها وتطلع لها مناديل تمسح دموعها.
قلت لها: أنا رايح المستشفى يا أمي هوصلك لحد هناك.. قالت لي: يعني همشي كتير يابني، قلت لها مش هتمشي خالص يا أمي هتنزلي قدام باب المستشفى.. وبعدين نزلت أنا وهي محطة جمال عبدالناصر علشان أطلع أنا شغلي في الجورنال وأركبها هي تاكسي.. واحنا ماشيين براحة أنا وهي علشان هي تعبانة سألتها: مالك تعبانة من إيه؟ رفعت الحجاب وقالت لي شايف بطني يابني.. والله شكل الورم اللى في بطنها بارز لبره.. قالت لي أنا لابسة حاجة في راسي طويلة (الحجاب) علشان الناس متفتكرش إني حامل وأنا في السن ده.. حاولت أضحكها وأقولها وإيه يعني لو حامل أهو ترحعي لشبابك.. عيطت.. أقولها مالك تسكت.. تبصلي وتسكت.. وبعدين قالت لي: هو أنا حملت زمان لما هحمل دي الوقت يابني.. أنا لو كنت خلفت عيل مكنتش ابتدهلت كده.. معنديش ولاد وحتى جوزي الله يرحمه وعايشة لوحدي.. حاولت أعرف منها ساكنة فين كل اللى قالته إنها من الزاوية الحمراء جمب عمارات عبده وقالت لي مش فاكرة اسم الشارع لأني ما بعرفش أحفظ ولا متعملة.. قالت لي يابني أنا كل أملي أعمل الإشاعة بس متشغلش بالك ولا تشيل همي أنا ليا رب.. طبطبت عليها ووقفتها علشان أوقف لها تاكسي يوصلها المستشفى.. وإديتها اللى فيه النصيب.. والله حضنتني في الشارع وكتمت دموعي بالعافية.. أي بني آدم كان هيعمل أكتر من كده.. تخيل أم مريضة مقطوعة مش شجرة وملهاش حد غير ربنا وتايهة في شوارع مصر.. طبطبت عليها كأن أمي واقفة معايا وقلت لها هوقف لك تاكسي يوديكي السلام الدولي للدكتور بتاعك.. قالت لي طب ما أروح مستشفى القاهرة بقى مادام بقى معايا فلوس الإشاعة قلت لها ماشي.. وقفت التاكسي وركبتها ولفيت للسواق قلت له مستشفى القاهرة التخصصي.. قاللى مش هتركب قلت له لأ.. الست دي أمانة في رقبتك توديها لحد الباب وتنتظرها لحد ما تخلص وتوديها الزاوية الحمراء.. قاللي متعرفهاش قلت له لأ.. بص للست لقاها بتعيط وبص لي قاللى أنا هشيل نص المشوار بس وهدخل معاها لما تعمل الإشاعة بس ده تاكسي أنا شغال عليه سامحني.. قلت له كتر خيرك وأخد بالفعل نص المشوار بس مع إنه يساوي كتير بس كتر خيره.. وبعدين قلت له ممكن رقم تليفونك؟ قاللى انت شاكك فيا؟ قلت له لأ.. أنا عايزه علشان أعرف منك عنوان الست لما توصلها بيتها في الزاوية الحمراء لأنها مش عارفاه.. قاللى هي مش عارفاه أنا هعرفه؟ قلت له هي بتركب من جمب المترو ميكروباص وعارفة ملامح الطريق من جمب المترو.. معلش.. قاللى حاضر وأخدت رقم تليفونه.

القصة طويلة عارف.. بس حبيت أشارك الناس اللى ربنا عطاها من خيره إن خيره مش ليهم وحدهم.. فيه ناس بسيطة محتاجه منه جزء.. الست المسيحية هي اللى كانت بتحطن وتطبطب على الست وتمسح دموعها واديتها من خير ربنا اللى معاها وطول الطريق تهون عليها همها.. أنا آسف إني بقول تفاصيل أنا عملتها بس أقسم بالله ما هدفي منها أي شيء إلا إني كنت حاضر التفاصيل كلها ولازم أقول الكلام على لساني.. بس كان لازم أحكي موقف سواق التاكسي اللى انا اتكلمت بشكل مباشر يعني لازم أجيب سيرتي.. لازم أتكلم عن جدعنته وشهامته.. كان لازم أقول إن لسه فيه خير.. إن فيه ناس لو محدش طبطب عليها هتموت.. لو مش ماتت من الفقر هتموت من القهر.. هتموت من الوحدة..

اترك تعليق