كتب /عُمر حجازي
الصحافة الإلكترونية هو نوع من الإتصال بين البشر عبر الفضاء الإلكترونى مستخدمين وسائط وآليات الكتابة الصحفية فيها
وظهرت الإرهاصات الأولى لتأثير تطوُّر تكنولوجيا الإعلام على حقوق الإنسان منذ 1967 ، لكن التأثير الأساسي الذي كانت له انعكاسات على الدول العربية هو ما حصل في بداية الألفية الثالثة، مع هجمات 11 سبتمبر2001، وما أعقب ذلك من إدراك لخطورة إستغلال تكنولوجيا الإعلام في الإرهاب عبر ربط وتسهيل الاتصال بين الإرهابيين، وتبادل المعلومات فيما بينهم، وتنظيم الاجتماعات…إلخ. هذه اللحظة كانت حاسمة في التنظيم القانوني لوسائل الاتصال والإعلام الإلكتروني، وتقنين الإنترنت على الصعيد العربي؛ إذ تأثرت خلالها الدول العربية بالموجة الدولية الساعية لمراقبة وتقنين وسائل الاتصال الإلكتروني، ووضع اتفاقية دولية لتنظيم مجال الجرائم الإلكترونية، وهي اتفاقية بودابست بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 ، أى مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر وتُشكِّل هذه الاتفاقية، والتوجيهات الإرشادية الصادرة عن مجلس أوروبا ، كما التوجيهات الإرشادية لمنظمة التجارة العالمية، التوجيهات الإرشادية لمنظمة التعاون والتنمية، حيث كانت نواة ظهور قانون دولي للإنترنت.
تأثَّرت الدول العربية بهذا السياق السياسي الدولي والإقليمي، فصار هاجس تقنين الإنترنت يسيطر على سلوكها التشريعي عبر عدَّة طرق ومبررات مختلفة، يرتبط بعضها بمواكبة الموجة الدولية التي تهدف إلى تقنين هذا “الوحش الإلكتروني”، وبعضها الآخر بانعكاسات استخدامه في قضايا الإرهاب. وشدَّدت على ذلك بالخصوص عند إصدارها للقوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية والقوانين المتعلقة بالإرهاب. ووُضعت هذه القوانين تأثرًا بمضامين اتفاقية بودابست، فصيغت على منوال منطوق ومضمون القواعد الواردة فيها.
إذا كان لشروط السياق الدولي بعض التأثير في صياغة هذه القوانين بعد 2001، فلا ينبغي إغفال التأكيد على أن سياق وضعها مرتبط بما رُوِّجَ ويَرُوجُ داخل أروقة جامعة الدول العربية، وأشير هنا على الخصوص إلى القانون النموذجي العربي الموحَّد لعام 2004، وما تلاه من قوانين عربية داخلية على مستوى كل دولة، ولم تخرج هذه القوانين -كما القانون النموذجي الاسترشادي الموحَّد- عمَّا كرَّسته اتفاقية بودابست من حيث الاهتمام بالإعلام الإلكتروني.
ولـتتبع مسار تقنين الصحافة الإلكترونية في المجال العربي ينبغى الرجوع إلى البيئة السياسية العربية والعالمية المواكبة له، والتي تم في رحمها التقنين، مع العلم بأن قراءة هذه البيئة تُفسِّر بما فيه الكفاية، لماذا هذا التنظيم هو على هذا النحو؟ ولا يتعلق الأمر هنا بمرحلة ما بعد الثورات؛ التي هزَّت العديد من الكيانات العربية، بل بما حصل قبل الربيع العربي، على الأقل منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي، وبداية الألفية الثالثة.
النموذج المصري
وإذا تطرقنا إلى هذا النموذج سنجد أن هناك جهودًا كثيرة، بُذِلَت قبل الثورة وبعدها، من أجل النصِّ دستوريًّا على تقنين الإعلام الإلكتروني، ويرجع الفضل في هذه الجهود إلى الدور الذي لعبه الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية منذ مارس2010؛ أي: قبل الثورة. فمنذ ذاك التاريخ شدَّد الاتحاد على وضع ميثاق شرف مهني للعاملين في مجال الإعلام الإلكتروني على الصعيد العربي، وضمنهم الصحفيون الإلكترونيون المصريون، ويمكن أن نضيف إلى ذلك، الجهود والدور الذي لعبته نقابة الصحفيين الإلكترونيين منذ 2011. إذا كانت هذه الجهود قد ساعدت على ضرورة إدراج تنظيم النشر الإلكتروني في متن النص الدستوري، فإن بعضها أسهم أيضًا في وضع الأفكار الـمُؤَطِّرة لقانون الصحافة الإلكترونية، وضمنها مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا مهمًّا في إنجاح الثورة، وتكثيف الاتصال بين شبابها في مختلف الدول العربية التي مرَّت بحالة الحراك.
وقد لوحظ في مصر كيف عملت مثلًا نقابة الصحفيين الإلكترونيين، التي وُلدت من رحم الثورة، على وضع مسوَّدة مشروع قانون، عُرض على المجلس العسكري في “مؤتمر الإعلام والتحدي والريادة”، الذي عُقِد في 8 يونيو 2011 وصدرت عنه توصية تُشدِّد على واجب تنظيم نشاط النشر الإلكتروني، كما شدَّدت على ضرورة حماية المجتمع من الممارسات الخاطئة، وأكدت على حقوق وواجبات العاملين في مجال النشر الإلكتروني، وضمان حماية المِلكية الفكرية الإلكترونية للأشخاص، وحفظ حق المجتمع. ونظرًا لحصول تطورات سياسية لاسيما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، تم سحب ذاك القانون من البرلمان من طرف النقابة مخافة إفراغه من محتواه التقدمي بفعل التعديلات التي ستُدخلها عليه الأغلبية البرلمانية (الإخوان المسلمون والسلفيون). على الرغم من أن الانتخابات التشريعية كانت نزيهة، وتم الاحتكام بشكل ديمقراطي إلى صناديق الاقتراع، كان هناك تخوف من أن يتم التضييق على هامش حرية الإعلام الإلكتروني.
تجدر الإشارة إلى أن مسار ما بعد يونيو 2013 أفسح المجال أمام تطورات جديدة، ومن ضمنها إعادة النظر في الدستور، ومن بين البنود التي طالها التغيير المادة 48 من دستور 2011، وكان الهدف من ذلك وضع أساس دستوري يتم بموجبه التمييز بين مختلف وسائل الإعلامية (صحافة مكتوبة وإعلام سمعي بصري وإعلام إلكتروني). وهكذا، فإن المادة 70 من الدستور، الذي تم إقراره في يناير 2014 عبر استفتاء شعبي، تنص على: “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة للمصريين، من أشخاص طبيعية أو اعتبارية عامة أو خاصة، وحق ملكية وإصدار الصحف، وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي، وتَصدُرُ الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظِّمه القانون. وينظِّم القانون إجراءات إنشاء وتملُّك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية”.
يتضح أن النص وضع المبادئ الكبرى التي تحكم تنظيم الإعلام الإلكتروني بما في ذلك مسألة الإخطار عوض الترخيص، وهذا أمر مهم جدًّا في إقرار حرية الإعلام الإلكتروني. كما سعى إلى استعراض أنواع وسائل الإعلام وتصنيفها وحصرها، وأكَّد على ضرورة إخراج قانون ينظِّم إصدار الصحف الإلكترونية وتملكها.
سوف يكون للنقاش الذي أعقب وضع هذه المادة في دستور 2014 تداعيات على تصوُّرات وتقديرات وحتى تحليلات الأكاديميين والقانونيين ليس داخل مصر فحسب، بل على المستوى العربي عمومًا، وسرعان ما ستكون للتجربة المصرية منذ 2010 بعض التأثير في المشرِّعين العرب، ويرجع ذلك إلى كون الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تحكمها ذات الإكراهات، وتعترضها ذات الصعوبات والتحديات. وعلى العموم، حتى الآن لم يتم إصدار قانون للنشر الإلكتروني يُطبَّق في مصر، بل لا نزال أمام مشروع قانون يتم حوله النقاش، وقد رَسَمت المادة 70 من دستور 2014 ملامحه الكبرى، كما رَسَم قانون الجرائم الإلكترونية بعضًا من تلك الملامح.