أدرك تماما ما سيصفه البعض لي بل ربما كل من سيقرأ هذه القصة قد أكون كذلك كما سيروني ولكن ما حدث لي لم يكن بمقدوري تغييره فهذا قدر تحتم علي وطريق رسم لي مشيته حتى منتهاه .
تبدأ قصتي عندما كنت قد أتممت السنة الرابعة عشرة من عمري حيث كنت في أوج مراهقتي الأولى عندما دخل أبي يحمل في يديه لفافة بداخلها علبة من الكعك و البسكوت ويقدمها الى أمي فرحا مخبرا اياها بأن زميله في العمل قد احضرها له بمناسبة زواجه من أحدى الفتيات في مدينته البعيدة بعض الشيء عن مدينتنا وهذه اللفافة تعبيرا عن شكره لأبي الذي ساعده في أخذ إجازة طويلة كي يستمتع بشهر عسله ثم توقف أبي قليلا عن الحديث واخرج من طيات ملابسه صورة فوتوغرافية حديثة تجمع بين زميله وعروسته وناولها الى أمي وهو يصف جمال العروسة وكانت أمي قد فتحت اللفافة و بدأت تتذوق الكعك بتركيز شديد متجاهلة ما يقوله أبي عن العروسة في محاولة منها لمعرفة مكونات الكعك اذا كان بالسمن البلدي او بغيرها فما كان من ابي الا انه وضع الصورة على المنضدة أمامها توجه الى غرفته كي يستبدل ملابسه فنظرت الى الصورة بعدم اهتمام ثم أبدت امتعاضها من الكعك واصفة اياه بأنه مصنوع من السمن الصناعي ثم قامت مسرعة الى المطبخ كي تحضر الغذاء لابي .
كفضول اي طفل اقتربت من الكعك وتناولت قطعتين وضعت أحداها مسرعا في فمي على مرة واحدة وأخذت ابتلعها في صعوبة شديدة ووضعت الثانية في يدي في وضع الاستعداد و هممت بالتقاط الثالثة ولكني توقفت فجأة عندما وقع نظري على الصورة ورأيتها
كم من صور العرائس التي رأيتها من قبل ولكني في حياتي لم أرى مثل هذا الجمال الذي رأيته في هذه الملكة المتوجة بطرحتها البيضاء وفستانها الذي أظهرها كما ولو كانت عروسة البحر التي يتم رسمها في القصص الخيالية لم اشعر بسقوط قطعة الكعك التي في يدي على الأرض ولم اشعر بتوقفي عن مضغ القطعة الأولى التي في فمي ووقفت كالابله أنظر اليها بفم ممتلئ وتملك مني في هذه اللحظة احساس اقرب الى حلم جميل استشعر حلاوته حتى الان ولم يوقظني من هذا الحلم الجميل سوي صراخ أمي وضربتها الموجعة لي على ظهري وهي تنهرني على اتساخ السجادة الجديدة نتيجة سقوط الكعك على السجادة الجديدة
انطلقت مسرعا هربا من عقاب امي الذي لن يتوقف والصورة في يدي ودخلت غرفتي و أغلقت الباب باحكام ونظرت اليها مرة اخرى وحاولت جاهدا استرجاع الحلم مرة أخرى والا يضيع مني احساس هذه اللحظة على الرغم من الالم الشديد الذي كنت أشعر به على ظهري من لسعة يد أمي العزيزة ولكن باءت محاولاتي بالفشل باستمرار لعنات أمي التي صبتها علي صبا من خارج الغرفة ، وضعت الصورة بداخل احد كتبي المفضلة واستلقيت على سريري وفردت ذراعي الى الخلف و أغمضت عيني فرحت في سبات عميق
كنت كلما جلست على مكتبي أراجع دروسي افتح الكتاب و انظر إليها نظرات طويلة أعيش خلالها أحلام يقظة اختلفت وتطورت مع مرور الزمان فأول ما بدأت كنت أتخيلها عروس البحر و انا الصياد الوسيم الذي تظهر له وتحدثه وهي في الماء ثم تتحول الى إنسية تتزوجه وتعيش معه ربما كنت متأثر بمسلسل بألف ليله وليله الذي كان يعرض في ذلك الوقت ثم تطور الوضع وأصبحت انا الطيار المقاتل الذي يرتدي ملابسه العسكرية الأنيقة وهي الفتاة المحبة الرقيقة التي تنظر الي بإعجاب و اتفق معها على وقت أطير بطائرتي فوق بيتها وهي تنظر الى وتشاور سعيدة بي كرشدي أباظة وماجدة في فيلم المراهقات وتطورت الأحلام وأصبحت كلما كبرت اكثر سيطرة على ووجدت فيها متعتي الوحيدة في الحياة حتى انني لم أكترث بتكوين صداقات او عمل علاقات مع فتيات أخرى وقد يتوقع البعض أنني أهملت دراستي وأصبحت إنسان فاشل تسيطر عليه أحلامه المجنونة ولكن ما حدث لم يكن كذلك فقد كانت تشجعني و تستذكر الدروس معي بل كانت تجلس الى جواري في الامتحانات تساعدني في الإجابات حتى تفوقت ودخلت كلية من أحسن الكليات وتقدمت في الدراسة بها وتعينت بها معيدا ثم حصلت على الدكتوراه وكانت هي حاضرة مع في كل هذه الخطوات وتحتفل معي بنجاحاتي العلمية
مرت الأيام والسنين بدون ان أشعر بها وتعدى عمري الخامسة والأربعين حينما جاءت لي دعوة من أحد المؤتمرات العلمية التي لا يمكن الاعتذار عنها بأحد المدن الساحلية و أعددت عدتي وجهزت حالي وكان أول ما وضعته في حقيبة سفري كالعادة كتابي المفضل الذي يحوي صورتها وانطلقت الى مكان التجمع الذي سيتم نقلنا منه الى هذه المدينة الجميلة وعندما صعدت أول دراجات الباص وقعت عيني على ما لم أكن أتوقعه بالمرة لقد رايتها تجلس على المقعد الأمامي.
لم يكن هذا حلم يقظة ولكنها كانت حقيقة انها هي بشعرها بجسدها بضحكتها بجمال عينيها وصرخت بداخلي أنها هي تجلس أمامي ، توقفت لم استطع الحراك نظرت اليها ولم استطع تحويل نظري عنها شعرت باستهجان الناس حولي وسخط رجل خلفي يريد المرور لم تعيرني انتباها في أول الأمر ولكن عندما تعالت الصيحات كي أتحرك لفت ذلك انتباهها فنظرت الي فتبسمت لها فتراجعت برأسها الى الخلف مستغربة فتقدمت نحوها فتمسكت بيد شاب يجلس بجوارها يقرا في كتاب ما فالتفت نحوها فأشارت برأسها نحوي ، وضع الرجل الكتاب جانبا ثم نظر و نهض صائحا بوجه مبتسم مرحبا بي بحرارة شديدة أدهشتني بعد ما توقعت انه سينهرني واخبرني بأنه متابع جيد لأبحاثي العلمية وينتظرها بشغف شديد وكم يراني مثله الأعلى وعرف نفسه لي بأنه مدرس في أحدى جامعات الأقاليم ويقوم بتحضير الدكتوراه ثم تنحى جانبا وقدم الي حبيبتي قائلا انها زوجته فسقط في يدي ولم أدرك بنفسي إلا وأنا أفتح حقيبتي على عجل و افرغ محتوياتها على ارض الباص حتى أخرجت الكتاب وفتحت صفحاته كاشفا عن الصورة ووجهاتها نحوه وأخبرته انه ليس زوجها وانه يكذب
التقط الرجل الصورة من يدي ونظر اليها بتمعن ثم ناولها لها وكانت هي في قمة رعبها وتحاول الاختباء خلفه فنظرت للصورة ثم فتحت فاها ونظرت الي مستغربة وسألتني كيف حصلت على هذه الصورة فاخبرتها بانها معي منذ ما يقرب من ثلاثين عاما او يزيد فحدثت نفسها ببعض كلمات لم استوعبها وهمست الى الشاب ببعض كلمات فابتسم الرجل ثم نظر الي وابلغني قائلا ” حضرتك في لبس ما يا دكتور الصورة اللي مع حضرتك دي مش صورة المدام دي صورة مامتها الله يرحمها هي وحمايا ” .