كثرت طرق السرقة وتعددت وتفنن السارقون في ابتكار اساليب جديدة للسرقة تبعد عنهم أعين المباحث وحتي لايشعر بهم ضحاياهم
والذي حدث في قطار الركاب المزدحم قبل وقوفه في محطة بني سويف، كان أغرب من الخيال فعلي عكس ما اعتاد الناس توقعه، اكتشف أحد الركاب أنه تم نشل هاتفه من جيبه دون أن يشعر، فقام بالاتصال به من موبايل احد الركاب ليكتشف رنينه وهو في يد أحد الأشخاص الذي لم يكن قد تأكد من إغلاقه بعد، فأصيب بحالة ارتباك مع صوت الرنين وبحركة متسرعة أسرع بإلقاء الهاتف من نافذة القطار حتي لا يفضحه، لكن الركاب أمسكوا به، فإذا بهذا اللص هو رجل كفيف البصر.
الركاب أصابهم الذهول وربما لولا تخلصه من الموبايل لم كان يمكن أن يشك فيه أحد، فقد كان من الممكن أن يوقف اللص الكفيف صوت جرس الموبايل أو أن يتظاهر بالرد علي مكالمة تصادف أن جاءته في نفس توقيت إجراء مكالمة علي الهاتف المفقود، ولكن ارتباكه ومحاولته إلقاء الموبايل من القطار كشفت حقيقته.
في البداية ظن البعض أن هذا الشاب البالغ من العمر 34 سنة ويدعي «علي صابر» ربما يتظاهر بأنه مكفوف، فقد اكتشف 13 من الركاب، وهم من الموظفين البسطاء الذين اعتادوا الذهاب إلي أعمالهم والعودة إلي منازلهم بواسطة القطارات، أنه قام بنشل محافظهم دون أن يشعروا مستغلا شدة الزحام في طرقة إحدي عربات قطار رقم 188 القاهرة ـ أسوان، فقد عثروا علي المحافظ وقد خبأها تحت ملابسه!.
الثلاثة عشر موظفا لم يشعروا بيده وهي تلقط بكل مهارة محافظهم ونقودهم من جيوبهم وهو يخترق الأجساد المكتظة في الطرقة والكل تباروا أن يوسعوا له الطريق حتي يمر من بينهم لأنه رجل كفيف تبدو عليه مظاهر الفقر والمعاناة اليومية في ركوب القطار.
أسرع إليه رجال مباحث السكة الحديد المعينون بالخدمة الأمنية بمحطة سكة حديد بني سويف ليلقوا القبض عليه وما أن رأوه حتي عرفوه فهو من اخطر واشهر النشالين في القطارات علي خطوط السكك الحديدية، فقاموا بتفتيشه فورا لتتوالي المفاجآت!.
لم يكن حديث الضحايا الثلاثة عشر في قسم شرطة سكة حديد محطة بني سويف، عن سرقتهم فالمبالغ التي جمعها منهم لم تزد علي 3 آلاف جنيه والهاتف المحمول الذي فضح حقيقة هذا الكفيف ولكن كان الحديث عن مدي مهارة علي صابر في نشلهم جميعا دون أن يشعر أحد منهم وحتي عندما اكتشفوا السرقات، ما كان لأحد منهم ولا أي راكب في القطار أن يشك في هذا الرجل المسكين الكفيف ذي الملابس الرثة.
لكن قصة علي صابر علي خلاف ما ظنوا، فهو ليس مجرد إنسان ابتلاه القدر بالعمي في طفولته، بل هو نشال محترف تعلم علي يد أحد النشالين في القاهرة والذي استغل إعاقته حتي لا يتطرق إليه شك ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، فأصبح يضرب به المثل في كار النشالين.
ولكن علي صابر كنشال محترف ولص عتيد معروف جيدا لرجال شرطة الإدارة العامة للنقل والمواصلات ومباحث السكة الحديد، فقد كشف اللواء حسني عبدالعزيز مدير مباحث النقل والمواصلات، أن النشال الكفيف سبق أن تم ضبطه واتهامه في 46 واقعة سرقة جميعها نشل منها 28 قضية صدرت فيها أحكام بالحبس وآخرها حكم لمدة سنة غيابيا.
والمعلومات التي جمعتها المباحث عنه وتم رفعها في إخطار إلي اللواء قاسم حسين مساعد وزير الداخلية للنقل والمواصلات، تفيد بأن النشال الكفيف لم يكتف بما تصل إليه يده عن طريق النشل فقط ولكنه يمد يده أيضا للتسول حول مسجدي سيدنا الحسين والسيدة زينب وعند عودته بالقطار إلي بني سويف، كان يمارس مهنته الأساسية كنشال محترف لا يباري في طريقة النشل والتظاهر بالمسكنة مستغلا إعاقته. وعلي صابر يعود بحصيلته من التسول والنشل إلي بيته في منطقة الواسطي بمحافظة بني سويف، حيث إنه زوج وأب لثلاثة أبناء لا يعرفون شيئا عن نشاط والدهم الحقيقي الذي يستدر العطف من الجميع وهو في طريقه إليهم كل يوم، فهذا العطف مع مهارته في النشل هما الوسيلتان اللتان تحققان له النجاح المضمون في السرقة ولولا الحظ العاثر الذي كان يوقعه في قبضة المباحث لأنه معروف لديهم أو في صدفة سيئة بالنسبة له ساقها القدر في رنة موبايل، لما كشف سره أحد!.