كتب: ريهام مصطفى
عندما بلغ طفلها الأول ياسين محمود، عامه الثاني قررت ” منى شكري” تجهيز حفلة عيد ميلاد كبيرة داعية في الحفل الأهل والأقارب والأصدقاء وكانت السعادة تغمرها لرؤية فلذة كبدها يكبر عام بعد عام.
ولكن القدر كان له رأي آخر مما تسبب في فاجعة كبرى للأم عندما اكتشفت المفاجأة وهي أن طفلها لا يستطيع السماع، لقد نام ابني ومعه عدد من الأطفال ولاحظت استيقاظ الأطفال بسبب ضجيج الحفل وصوت الموسيقى العالي ماعدا ياسين ابني، تقول منى شكري والدة ياسين محمود ابنة مدينة المنصورة.
وعلمت بعدها ان ابني يعاني من مشكلة ما في السمع وشعرت بالانهيار وفقدت النطق تماما كنت أظن أنني في كابوس أو حلم وسينتهي ولكن كانت هذه الحقيقة التي يجب أن أتقبلها وأرضى بها عندما أخبرنا الأطباء أن ياسين يعاني من ضعف السمع وبحاجة إلى زرع قوقعة.
تكمل ” منى” حديثها مبتسمة بنبرة صوت هادئة لم استسلم أبدا وقررنا أن نتعامل مع حالة ابني في أسرع وقت وذهبنا إلى أكثر من طبيب لاستشارته، وخلال رحلتها لعلاج ابنها أخبرها الطبيب أن نسبة نجاح العملية 1% بسبب مشكلة في المخ يعاني منها ياسين وهي أن الأصوات تصل إليه مشوشة، تمالكت الأم أعصابها وقررت أن تتمسك بالأمل والصبر وأن تتحلى بالشجاعة وكل ذلك برفقة زوجها والد ياسين الذي لم ييأس أبدًا.
وتتابع ” منى” حديثها للمنصورة توداي، وكان ابني هو أول من أجريت له هذه العملية في جامعة المنصورة لانه وقتها لم تكن الامكانيات متاحة وخصوصا الذين يعانون من ضعف السمع وكذلك تكاليف العملية والأجهزة باهظة الثمن وتصل إلى أكثر من ربع مليون جنيه، وحتى يتكفل التأمين الصحي تكاليف عملية زراعة القوقعة للأطفال من شروطها دون سن الخامسة وكان ياسين وقتها تجاوز الخامسة، وأصبحت كل الطرق مسدودة.
ولكن لم يستسلم والدا ياسين للإحباط واليأس وقررا خوض العملية لابنهما كانت أمنية ” منى” هي سماع كلمة ” ماما و بابا” فقط وبالفعل تم إجراء عملية زراعة القوقعة بمستشفيات جامعة المنصورة لياسين ووقتها كانت الأم تضع يدها على قلبها راجية من الله أن تجتاز هذه المحنة على خير وكانت إرادة الله فوق كل شئ ونجحت العملية بنسبة 100% وانهمرت دموع الأم من الفرحة وأنها أخيرا ستسمع كلمة ” ماما” من ولدها.
ولم تتوقف والدة ياسين عند العملية وحسب بل تابعت كل مايخص حالة ياسين حتى يطور من نفسه ويبدأ في الكلام ونطق الكلمات ومن ثم الجمل حيث قامت بزيارة متخصصي التخاطب وصعوبات التعلم، وبدأت تحضر مع ياسين حتى تتعلم كيفية التعامل مع ولدها.
تقول ” منى” لم أكتفي بالزيارة والتعلم وحسب أنا في الأساس تخرجت من كلية الحاسبات والمعلومات قمت بتغيير المجال وهندسة البرمجيات إلى عمل دراسات عن التخاطب وحصلت على درجة الماجستير في التربية الخاصة وكان عنوان رسالتي “التلعثم وأثره على مزروع القوقعه وضعاف السمع وطرق علاجه” وكان بطل رسالتى هو ابني ياسين محمود.
وبسؤال والدة ياسين عن سر حب طفلها للمطبخ، عندما كنت أقوم بتحضير المائدة والطعام لاحظت إصرار ياسين على مساعدتي في إعداد الطعام ولخوفي عليه من النار كنت أبعده عن المكان وفي ذات الوقت ولكن لاحظت متابعته المستمرة للشيف حسن وتقليده في حركاته وخاصة كلمته الشهيرة ” ياحركاته ياتكاته ” وكان يخبرني أن حلمه يصبح مثل السيف حسن.
وتكمل ” منى” فكرت من الممكن أن تكون داخله موهبة الطهو وتكون عامل أساسي لتأهيل لياسين.
وبالفعل وجدت في طفلي الشغف وحبه الكبير للطبخ وإعداد الطعام معي.
وبالفعل دخل ياسين المطبخ كنت أتولى إشعال النار حرصا على سلامته وبدأت في دعمه وتشجيعه وقمت بعمل فيديوهات مصغرة كنوع من الدعم وبدأت برفعها على مواقع التواصل الاجتماعي وللأسف لجأ البعض للسخرية مني معتقدين أني استغل ابني والبعض قال لي ” حرام عليكي تعرضي ابنك بالمنظر دا” بسبب ضعف السمع فهو يعاني من التأتأة في الكلام ولكن لم أبالي لكلامهم القاسي ولم أسمح لأحد أن يحطم حلم ابني.
وفي المقابل تابع ياسين أناس آخرين وقاموا بتشجيعه وتكريمه في العديد من المبادرات وعندما علم الشيف حسن بقصة ياسين قرر مقابلته ودعمه وأصبحت أكلاته تنتشر على مختلف المواقع والمجلات، وإطلاق لقب ” أصغر شيف في مصر” وتختم ” منى” والدة ياسين كلامها تنصح فيه الأمهات اللاتي يعانين من نفس مشكلتها ” كملي واستمري أنا عارفة إنه الموضوع صعب ومهلك ومتعب نفسيا وماديا” ولكن هؤلاء الأطفال لهم حق علينا وهم نعمة كبيرة وعظيمة من الله عز وجل قد نعتقد أننا في ابتلاء أو محنة ولكن ستكتشف كل أم تعاني أن الموضوع نعمة كبيرة وستكتشفيها فيما بعد ولكن نحن في حاجة إلى الصبر والتريث وعدم الاستسلام بسهولة.