الوعود مواثيق وعهود وديون في أعناق الواعدين للموعود وسمة من سمات الأحرار وأصحاب الشهامة وأهل النخوة والأسود ولذلك قيل قديما إنّ وعد الحٌُرّ دين … لأنّ الحُرّ إذا وعد وفى وإذا تحدّث صدق وإذا قال فع ولست أدري كم من السياسيين في بلادنا تنطبق عليهم مثل تلك الصفات .
لا أحد تقريبا من الفائزين والمنتصرين والفاتحين في حروب الإنتخابات وتزويق الكلمات والضّحك على ذقون البسطاء حقّق شيئا من وعوده بمجرّد جلوسه على كرسي المجلس النيابي أو حصوله على موقع وزاري أو إرتقائه الى منصب رئاسي .. كلّهم سواء في الكذب والبهتان وقلّة الحياء فقد فقدوا جميعا ذاكرتهم وأصيبوا بعد فوزهم بمرض النّسيان – نسيان الوعود الإنتخابية –
وكلّما ذكّرتهم بوعودهم تراهم كالبلهاء يتظاهرون بإجهاد العقل للتذكّر ويمسكون برؤوسهم ثمّ يعصرون عليها علّهم يتذكّرون ، فإذا تذكّروا – وهم متذكّرون فعلا – تجدهم يختلقون المبررات للنسيان أولا ولعدم الوفاء بالوعود والعهود ثانيا … فإذا ضيّقت عليهم هامش المناورة وأسقطت تبريراتهم الواحد تلو الآخر تراهم يلتجؤون الى أسلوب التعجيز وهم خبراء في فنونه فيقولون لك إنّ الوعد مرتهن تحقّقه بشروط وإنّ الشروط مرتبط توفّرها بشروط أخرى
وهكذا تضيع الوعود في متاهة الشروط فلا تتوفّر الشروط ولا تتحقّق الوعود…
مهزلة حقيقية يضحك فيها المرء كثيرا ولكنّه ضحك كالبكاء يحيلنا الى ما في تاريخنا من أخبار الشقاء والبلاء
إذ جاء في الأثر أنّ أعرابيا أضاع بعيرا فحلف إن وجده سوف يبيعه بدرهم واحد ، فلما وجده لم يسمح له قلبه ببيعه بمثل ذاك الثمن فعمد الى أرنب وعلّقه في عنق الجمل وأخذ ينادي : الجمل بدرهم والأرنب بخمسمائة ولا أبيعهما إلاّ معا ، فمرّ به بعض الأعراب فقالوا : ما أرخص الجمل لولا القلادة.