لطالما كان المعلم بمثابة الأب الروحى لجميع الحضارات، بل كان دائما حجر الأساس الذى يبنى عليه جدار المعرفة، ومستقبل الحضارات، بل لا أبالغ إذا قلت أنه كان مصدر الطاقة التى تدفع عجلة التنمية والتقدم والرقى فى كل عصر وفى كل مصر، ولما لا وقد كان المصريون القدماء .
وهم الذين ضربوا أروع الأمثلة فى تعليم البشرية كيف تُبنى الحضارات على الصعيد المادى والدنيوى ــ يضعون المعلم فى مكانة أسمى من قائد الجيش ويكثرون له العطايا نظير الحفاظ على بذور حضارتهم ورعايتها كرعاية الأم لطفلها ،وبذلك ضمنوا جيلا جديدا ناضج العقل واسع المعرفة يستطيع أن يحمل شعلة الحضارة لتضئ الدنيا .
والمتأمل فى تاريخ الحضارة الإسلامية كذلك ــ هذه الحضارة التى حكم أصحابها الدنيا فى فترة لا تتجاوز القرن من الزمان ــ ونظرا إلى مكانة العلم والمعلم سيجد أن المسلمين الأوائل قدموا العلم والعلماء، ووضعوا العلماء فى مقدمة القافلة ليقودوها حيثما تكون المصلحة؛ ونتيجة ذلك تركوا لنا إرثا ثقافيا إذا أردت أن تعلم قدره فيكفيك أن تعلم أن جيشا من جيوش الغزاة عبر نهر الفرات على جسر تم تشييده ببعض الكتب من مكتبة بغداد !
هذا هو المعلم وهذه هى مكانته، فكيف لبلدنا الآن أن تخرج من مستنقع الجهل وتلحق بركب التقدم والرقى ومعلموها تحولوا إلى راقصين وراقصات فى المجامع التعليمية؟!
أجبنى بربك أى نوع من الطلاب سوف يتخرج من هذه الحفلات الموسيقية؟!
هل تضمن لى طبيبا يعلم قدر المسئولية الملقاة على كاهله ويتقى الله فى مرضاه؟
أم تضمن لى مهندسا يحترم مهنته ويتقى الله فى أرواح الناس ؟
أم تضمن لى عالم ذرة أو كيمياء أو فضاء؟
أم تضمن لى معلما يرتقى بأخلاق طلابه ولا يقلد قدوته المزيفة فى الرقص والانحراف؟
أريدك أن تتخيل معى للحظة بلدنا مصر بعد عشرة أعوام وطلاب المهرجانات هم قادتها كيف سيكون حالها!!
ما يحدث فى هذه الأيام من مصاصين الدماء بتعليم أبنائنا المناهج التعليمية على أغانى المهرجانات هذه جريمة فى حق العلم والمعلمين ويجب معاقبة هؤلاء بتهمة التحرش الفكرى بعقول أبنائنا.