الجيل الذى عاش أيام حرب أكتوبر المجيدة 73 منذ 43 عاما مازال يتنسم عبير ذكريات هذه الأيام ويستعيد فخرها ومجدها وبطولاتها، ويعتبر أنه عاش أعظم لحظات فى حياته وفى حياة المصريين، فهو أول انتصار عسكرى عربى صريح على العدو الصهيونى وتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر. عشت هذه الأيام فى سنوات الطفولة الأولى وشاركت مع أقرانى فى دوريات الدفاع الشعبى لإطفاء الأنوار أثناء الغارات وعقب صفارات الإنذار، كانت إحداها خلف منزلنا تعلو مبنى مدرسة الشهيد أنور الصيحى رفيق الزعيم جمال عبد الناصر فى حرب فلسطين، وبسعادة الأطفال ننطلق لنتغنى بالانتصار عقب كل بيان بصوت الإعلامى الراحل صبرى سلامة، نغنى لمصر ولجيشنا وأبطالنا ونلعن «أبو أم إسرائيل وجولدا مائير وموشيه ديان». كلما مرت الذكرى وهبت نسائمها العطرة ألوذ بنفسى لأتكئ تحت ظلال الذكرى مستريحا فوق حريرها.
الكل كان فى واحد والواحد كان للجميع.. لم يسخر أحد ولم يسفه من الانتصار ومن بطولات الجنود ومن العبور وتحطيم حصون خط بارليف واستخدام الخراطيم فى هدم الساتر الترابى. الشعب كان فى أبهى صورة للتوحد.. الملايين فى صف واحد خلف جيشه وقيادته.. لم تحدث سرقة أو جريمة واحدة.. حسب تقارير وزارة الداخلية وقتها. توقف الكل عن الشغب والإجرام والسرقة. فالوطن فى لحظة تاريخية فارقة فوق جبهات القتال. نحمد الله أن حرب أكتوبر لم تأت فى زمن الفيس بوك وجنرالات المدونات ومواقع التواصل الاجتماعى بتفاهاتها وسخافتها وانحطاطها وإلا لانتصرت التفاهة وعلت قيمتها وتضاءلت البطولة أمام رشقات جاهلة لكلمات ثملة متسكعة على الفيس بوك وتويتر. الحمد لله أن الانتصار تحقق بسواعد الجنود وعزيمتهم وإرادة الشعب والقيادة فى ملحمة كبرى ومعجزة عسكرية نادرة الحدوث بعيدا عن تكنولوجيا مدمرة لم نستخدمها سوى كنصل سكين قاتل لكل شىء وكقوة سلبية محبطة.
تخيلوا لوكان الفيس بوك وتويتر موجودا والجيش يستعد بخطة الخداع للحرب بنشر غسيل الجنود على خط المواجهة والسفر للحج وإقامة الحفلات والمصايف.. ماذا كان سيكتب «الجنرالات والكسالى والجهلاء» على صفحات التواصل الاجتماعى.
تخيلوا أن النظريات العسكرية العالمية فى إزالة الساتر الترابى تحطمت بفكرة غاية فى البساطة من ضابط مصرى هو المهندس باقى زكى يوسف أطال الله فى عمره «بشوية مية وبخراطيم المطافى».. فماذا كانت تعليقات السفهاء… تخيلوا.. عموما الحمد لله ربنا له حكمة فى ذلك حتى يتحقق النصر المبين